دأب علماء المسلمين من المتشرعة، على التدقيق فيما يصل إليهم من نصوصٍ شرعيةٍ، فتراهم يُولُون اهتماما كبيرا بأسانيد هذه النصوص، وخاصة النصوص الروائية الحديثية.
ورغم أن القرآن الكريم قد كُتِبَ ودُوِّنَ في كتاب خاص منذ كان نبي الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم حيّا، إلاّ أنّ المسلمين عملوا على أن يصل القرآن أيضا من خلال نقل الثّقات بالمشافهة، فظهر في بداية القرن الأول للهجرة جملة من الحفاّظ لكتاب القرآن، وازداد هذا العدد بشكل كبير في النصف الثاني من القرن الأول وكذلك في القرن الثاني للهجرة، وإن لم تصلنا جميع أسمائهم، ممّا شكّل جملة كبيرة من القرّاء والحفّاظ للقرآن الكريم، بحيث نقلوه لمن كان بعدهم مشافهةً، إلاّ أنّه وبسبب الاختلاف بين القبائل العربية في نطق بعض الحروف والكلمات التي وردت في القرآن الكريم، فقد وصلت لنا مجموعة من القراءات للقرآن الكريم، سُمّيت كل واحدة بأسماء ناقليها من الحُفّاظ والقُرّاء، والتي تختلف عن بعضها في نطق بعض الكلمات التي تشترك كلها في معنى واحد، كنطق بعضهم للفظة «المؤمنون» بدون همزة، بينما نطق بها آخرون بهمزة، وكذلك الحال في لفظة «جبرائيل»، فبعضهم نطق بها بهمزة، وآخرون نطقوا بها بدون همزة «جبریل»، وأيضًا في لفظة «كُفُوًا» فبعضهم نطق بها «كُفْوءا»، والبعض الآخر نطق بها «كُفُوا»… الخ.
ومن هنا جاءت ما يسمونها بـ “القراءات”، فكان عددها أكثر من عشرة، سبعة منها ادّعى بعضهم أنّها متواترة النقل ومتّفق عليها عند القسم الأكبر من المسلمين، وثلاثة منها صحيحة إلاّ أنّه وقع الخلاف في تواتر نقلها، أمّا باقي القراءات فَعُدَّتْ من القراءات الشاذّة عند السواد الأعظم من أعلام المسلمين.
والحقّ في المقام، أنّ هناك جملة من أعلام المسلمين بمختلف مذاهبهم، ينفون تحقّق التواتر في القراءات القرآنية، سواء السبعة المدّعى لها الشهرة، أو العشرة المدّعى لها الصحّة، كما أنّ أصحاب هذا القول يفرّقون بين القول بتواتر القرآن نقلا، وبين القول بتواتر القراءات نقلا، فقالوا بأن القرآن قد وصل لنا بالتواتر وهذا محلّ إجماع السواد الأعظم من الأمّة، ونفوا أن تكون القراءات السبعة أو العشرة متواترة، ولهم في ذلك قرائن ودلائل كثيرة، فمن أراد ذلك فليراجعها في مَضَانِّها.
القراءات العشرة
ونذكر في البداية القراءات السبعة التي جمعها ابن مجاهد، أحمد بن موسى القارئ بشروطه الخاصة، والتي ادّعى أنّها القراءات المعروفة والمشهورة، وكذلك اُدّعي بعده بأنّ هناك اتفاق بين جملة من أعلام المسلمين على كونها القراءات التي وصلت بالتواتر.
كما يجدر بنا الإشارة والتنبيه إلى نكتة مهمة، وهي أنّ القراءات السبعة التي سنذكرها نقلا عمّن سبقنا، ليست هي المقصودة بالحروف السبعة التي وردت في بعض الروايات والتي تقول أنّ القرآن قد نزل بها، وهذا القول هو ما خَلُصَ إليه وأقرّه جملة من المدقّقين والمحقّقين من علماء المسلمين، بمختلف مذاهبهم قديما وحديثًا، أمّا القول بأنّ الحروف السبعة المقصود بها هو القراءات السبعة، فهذا قول بعض المتأخرين من الحفّاظ والمحدّثين الذي أفنوا حياتهم في الحفظ والجمع، على حساب التدقيق والتّحقيق.
القراءة الأولى: قراءة نافع المَدني، وأسمه نافع بن عبد الرحمٰن بن أبي نعيم الليثي (توفى سنة 169هـ)، وروَى عنه كلٌّ من قَالُون (وهو عيسى بن مينا بن وردان بن عيسى المدني الملقب بقالون المتوفى سنة (220هـ))، ووَرْش (وهو عثمان بن سعيد بن عبد الله المصري المتوفى سنة (197هـ)).
القراءة الثانية: قراءة عاصم الكوفي واسمه عاصم بن بهدلة الكوفي، (توفى حوالي سنة 128هـ)، وروَى عنه كلٌّ من شُعبة (وهو شعبة بن عَيَّاش بن سالم الأَسَدِي الكوفي المتوفى سنة (193هـ))، وحَفص (وهو حفص بن سليمان بن المغيرة بن أبي داود الأَسَدي الكوفي المتوفى سنة (180هـ)).
القراءة الثالثة: قراءة أبو الحسن الكِسَائي الكوفي، واسمه علي بن حمزة بن عبد الله الكسائي (توفى سنة 189هـ)، وروَى عنه كلٌّ من اللَّيث (وهو الليث بن خالد المَرْوَزِي البغدادي المتوفى سنة (240هـ))، والدُّوري واسمه حفص بن عمر بن عبد العزيز بن صهبان بن عدي الدوري، (توفى سنة (246هـ).
القراءة الرابعة: قراءة ابن كثير المَكِّي، واسمه عبد الله بن كثير المكي مولى عمرو بن علقمة (توفى سنة 120هـ)، وروَى عنه كلٌّ من البَزّي (وهو أحمد بن محمد بن عبد الله بن القاسم بن نافع ابن أبي بَزّة المتوفى سنة (250هـ))، وقُنبل، واسمه محمد بن عبد الرحمٰن بن محمد بن خالد بن سعيد المخزومي المتوفى سنة (291هـ).
القراءة الخامسة: قراءة أبو عمرو البصري، واسمه زَبان بن العلاء بن عمار التميمي المازني البصري، المتوفى سنة (154هـ)، وروَى عنه كلٌّ من الدُّوري (وهو حفص بن عمر بن عبد العزيز بن صهبان بن عدي الدوري، المتوفى سنة 246هـ)، والسُّوسي، (وهو صالح بن زياد بن عبد الله بن اسماعيل بن ابراهيم بن الجارود السوسي المتوفى سنة (261هـ).
القراءة السادسة: قراءة عبد الله بن عامر، واسمه عبد الله بن عامر بن يزيد بن تميم بن ربيعة اليَحصبي، المتوفى سنة (118هـ)، وروَى عنه كلٌّ من هشام (وهو هشام بن عمار بن نُصَير بن مَيسَرَة السُّلَمي الدمشقي المتوفى سنة 245هـ)، وابن ذَكْوَان (وهو عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان المتوفى سنة 242 هــ).
القراءة السابعة: قراءة حمزة الكوفي، واسمه حمزة بن حبيب بن عُمَارة بن اسماعيل الكوفي، المتوفى سنة (156هـ)، وروَى عنه كلٌّ من خَلَفَ (وهو خلف بن هشام بن ثَعْلب الأسدي البغدادي، المتوفي سنة 229هـ)، وخَلاَّد (وهو خلاد بن خالد الشيباني الصَّيرَفي، المتوفي سنة 220هـ).
وإلى هنا تنتهي القراءات السبعة، ونتوجه لذكر باقي القراءات الثلاثة، والتي بها تتمّ عِدّة القراءات العشرة، والتي أضافها ابن الجزري محمّد بن محمّد الشافعي، وادّعى أنّها من القراءات الصحيحة المتمّمة للسبعة:
القراءة الثامنة: قراءة أبو جعفر المدني وأسمه یزید بن القَعقَاع المخزومي المتوفى سنة (130هـ)، وقيل سنة (132هـ)، وروى عنه كلٌّ من ابن وَردَان (وهو أبو الحارث عیسى بن وَردَان المدني المتوفى في سنة 160هـ)، وكذلك أبن جَمَّاز (وهو أبو ربيع، سلیمان بن مسلم بن جَمَّاز المدني المتوفى في سنة 170هـ).
القراءة التاسعة: قراءة یعقوب البصري (وأسمه أبو محمّد، يعقوب بن إسحق بن زید الحضرمي البصري المتوفى في سنة (205هـ)، وروى عنه كلٌّ من رُوَیس (وهو أبو عبد الله محمد بن المتوكل اللؤلؤي البصري المتوفى سنة 238هـ)، وكذلك رَوْح (واسمه ابو الحسن، روح بن عبد المؤمن الهُذَلي البصري النحوي المتوفى في سنة (234هـ) وقيل(235هـ).
القراءة العاشرة: قراءة خَلَف البغدادي (واسمه أبو محمّد خَلَف بن هشام بن ثَعْلب الأسدي البغدادي المتوفي سنة (229هـ)، وهو الذي قراء ونقل أيضًا قراءة حمزة الكوفي، وروى عنه كلٌّ من إسحاق (وهو أبو يعقوب إسحاق بن ابراھیم بن عثمان بن عبد الله الوَرَّاق المروزي المتوفى سنة (256هـ) وكذلك إدريس (وهو أبو الحسن، إدريس بن عبد الكريم الحدَّاد البغدادي المتوفى سنة (292هـ).
حبيب مقدم